الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة أوبيرات "لمدينة" تسافر بجمهور قرطاج عبر التاريخ وتروي ملحمة الأغنية التونسية

نشر في  18 جويلية 2017  (13:29)

غناء وموسيقى ورقص وتمثيل وتعبير جسماني، هي مقومات أوبيرات "لمدينة" للفنان "نافع العلاني" والمخرجة "آمال علوان"، أوبيرات روت على ركح المسرح الروماني بقرطاج مساء الاثنين 17 جويلية، مختلف محطات الموسيقى التونسية منذ سنة 1900 الى اليوم.
في تمام العاشرة انطلق العرض وعلى خشبة المسرح انتصبت واجهة المسرح البلدي بالعاصمة، هذا المسرح الذي احتضن طيلة مائة سنة مختلف العروض الموسيقية والفنية، في حين توزعت الفرقة الموسيقية على الركح، قبل أن تستهل الأوبيرات بمعزوفة موسيقية صامتة اختار لها فريق العمل اسم " نتشسغم" من تلحين الفنان نافع العلاني، جسدها شاب وشابة، و" نتشسغم" تعبر عن بداية الموسيقى وبداية الحياة.
ومن موسيقى صامتة، تنبعث الحياة فوق الركح الروماني بقرطاج، ليروي مجموعة من الشبان والشابات من خلال لوحات راقصة تطور الاغنية التونسية وتاريخها، بمصاحبة نافع العلاني و"ميرا" في الغناء.
غناء متواصل ولوحات راقصة متناسقة وتمثيل وأزياء تعبر عن حقبات مختلفة، هي قصة حب، حبّ للفن والموسيقى روى فصولها "عبد الستار عمامو" باسلوبه الحكاوتي المتميز.
الموسيقى التونسية في 3 محطات
واستعرض عرض "لمدينة" ثلاث محطات من تاريخ الموسيقى التونسية، جسدت المحطة أو الفصل الأول مجموعة من الأغاني القديمة وأغلبها أغاني ليهود تونسيين ولجاليات اجنبية كانت تقطن بتونس وهي تبرز المخاض الذي كانت تعيش فيه تونس أيّام الحرب مع المستعمر وبحث التونسي عن هويته وينتهي هذا الفصل بأغنية عن مدينة حلق الواد التي كانت تزخر في تلك الفترة باليهود وتقام فيها الحفلات، وهي المرحلة التي برز فيها الكثير من الفنانين التونسيين اليهود مثل "حبيبة مسيكة"، و"الشيخ العفريت" وغيرهما.
وفي هذا الفصل اهتز جمهور قرطاج على انغام كلمات حفرت في الذاكرة على غرار "في البريمة" و"أنا قلبي طاب" و"مافيش فلوس" و"بربي لاش هكا" و"اعطيني بوسة" و"حبيبي الأول" و"مانصابك برقدانة" و"مانحبش نعرس" و"حلق الواد"، وغيرها من اغاني تلك الحقبة من تاريخ الموسيقى التونسية بصوت كل من نافع العلاني وميرا، فصل عبرت عنه لوحات كوريغرافية استحضرت تلك المرحلة سواء من خلال الأزياء وحضور الجندرمة، أو من خلال المقاطع التمثيلية .
أما الفصل الثاني من "لمدينة" فيتحدث عن ظهور المطربين التونسيين البارزين و الذين ساهمت الراشدية والإذاعة الوطنية في تلك الفترة في بروزهم ثم التلفزة الوطنية، كما تبرز هذه المرحلة، الطابع الأندلسي والانفتاح على موسيقات العالم وينتهي هذا الجزء بمعزوفة موسيقية بعنوان لمدينه تلحين الفنان نافع العلاني .
وفي هذا الفصل ادى كل من نافع العلاني وميرا عدد من اغاني هذه الحقبة على غرار "عرضوني زوز صبايا" لصليحة، "كافاليارو" للجموسي، "اليوم قالتلي زين الزين" للجويني، ""مشى في بالك جد عليك" لنعمة، "لا لا ما نحبكش" لعلية"، "زينة يا بنت الهنشير" لعلي الرياحي
واستحضرت "آمال علوان" في هذا الفصل أجواء الكافيشانطا، من خلال راقصة مكتنزة اعتلت الركح ورقصت، بأسلوب دلال وغنج راقصات "الكافيشنطا".
وكعادته يعتلي عبد الستار عمامو الركح، ليروي بأسلوبه، اهم ميزات الحقبات التاريخية للموسيقى التونسية.
أما الفصل الاخير فضم أغاني من إنتاج وألحان الفنان نافع العلاني وكلها أغان جديدة، في اشارة الى أن حياة الموسيقى التونسية مازلت متواصلة، وأن الساحة الفنية لاتزال حبلى بالمواهب وبالانتاجات ومن هذه الاغاني نذكر ، "روح الروح" و"محيرني" و"ننساك" و"جابك ربي" ويختتم العرض بأغنية وطنية تحمل عنوان "ثوار".
مجهود ولكن ....
"لمدينة" أوبيريت موسيقية، حملت في طياتها مجهودا كبيرا من قبل فريق العمل وخاصة من قبل المخرجة آمال علوان، التي لم تكتف بالاخراج فقط بل ايضا بتصميم اللوحات الراقصة للعرض والاشراف على كل تفاصيل هذه الأوبيرات التي كانت عبارة عن عمل توثيقي بين تطور الأغنية التونسية منذ 100 سنة .
ولئن ترك هذا العمل انطباعا جيدا لدى جمهور قرطاج الذي لم يتحول بكثافة الى المسرح الأثري، فان هناك بعض المؤخذات والتي لا ترتبط مباشرة بفريق العمل بل بالامكانات حيث لاحظنا أن الديكور ونقصد واجهة المسرح البلدي لم يتغير من بداية العرض الى نهايته، نفس الأمر بالنسبة الى أزياء الشبان حيث رافقت البدلة السوداء هؤلاء الشباب من بداية العرض الى النهاية، وهي مسائل ـ وعلى ما يبدوـ مرتبطة بالامكانات المتوفرة لفريق العمل، فالمعلوم ان مثل هذه العروض تتطلب الكثير من الدعم المادي والامكانات، وهنا نتساءل كالعادة عن دور وزارة الثقافة التي توفر القليل من الدعم وتتقشف على الفنان التونسي مقابل سخائها وكرمها الحاتمي على العروض الأجنبية .
مسألة أخرى في غاية الأهمية نود الاشارة اليها، وهي مشكلة الصوت، حيث عجزنا طيلة العرض على الاستماع الى كلمات الاغاني أو تبيّن فحوى الكلام نتيجة رداءة الصوت، فمتى تتدخل ادارة المهرجان وتتفادى هذه الاخطاء التقنية، التي ظلمت وستظلم عديد العروض .

تغطية : سناء الماجري 

تصوير : زياد الجزيري